كتب : مختار حسنين .
مازال يفتش ، سأل عنه ، فى الماضى كان بين يديه
وحفيده يناديه : لن تجده … لن تجده .
قد يراه بين المارة ، أو فى السيارات المسرعة ، يتلفت يميناً ويساراً عله يتعثر فى شيء يشبهه
يؤدى به اليه ، أو يلمح تلك اللمحة الوجدانية لروح عاداته ، ونسائم لذاته ، وفكاهة وجدية حديثه
مازال يفتش فى تلك المدينة عن شيء لاأحد يعرفه ، الجميع يتجاهلونه ويتهمونه بالجنون ، حتى وإن وصفه اليهم
لن يصلوا لنتيجة ، بل تتعالى ضحكات السخرية ، يشيرون إلى أى جهة : عله هناك … أوهنا … إنه ذهب بلا
رجعة . فكيف له أن يبحث عنه فى أماكن لايوجد فيها ؟
فتش عنه فى عيون الشباب ” هل شباب اليوم هم شباب الأمس ؟ ،الذين ليس لهم غير جمع النقود بجهد ليضيعونها
آخر الليل ، أومن هو لايفهم شيئاً فى هذا العالم الغريب الذى ولد فيه ليقاسى الشقاء ،وان أتى بلقمة العيش
فمن اضطهاد البشر عبر سيارته الركيكة الصدئة ، أوذاك الشيء الغريب المسمى” توك توك” يهتز به ولايدرى
أين يسير فى الشارع الضيق يتخبط ، ومن يغفل لحظة من المارة ليس له الا كلمات الاهانة من كل نوع ، أويرج قلبه
بصوت البوق المزعج ، السيارات ، النساء ، الاطفال، الجميع مسرعين من لاشيء ، حيث لاشيء ، تنتابه لحظة غضب
يخبط بعصاه على أسقف تلك “التكاتك” ، المجنونة وصاج السيارات النصف محطمة، يلعنهم ويلعن من لم يمهدون
الطرق الضيقة ، هل لهذا العجوز أن يعدل الكون بعصاه هذه … أوأحد يسمع اليه ؟ ليس بمجنون ، بل هو الذى
يريد أن يخرجهم من جنونهم ، لايجلس الا فى الاماكن الهادئة ، يرونه بين الاغنام يحكى لها عن الماضى ، كلما سار
وكلبه من خلفه ، الذى وجده ذات يوم يلهث فأعطاه كسرة خبز، وشربة ماء ، وربت على ظهره ، فأصبح لايفارقه
جلس الى جوار مجموعة دجاجات صغيرات ينقرن فى الأرض ، وأخذ يمسك بواحدة تلو الأخرى يربت على رأسها
برفق ويصيح : إنى أشم رائحته فى هذه الدجاجات ، وهذا الكلب ، جميعهم يعرفونه .
مختار حسنين